📜 لوحة الحروف: اجتمعت لبناء الأمة
اجتمعت الحروف ذات مساء في ساحة المعاني، وشعارها:
"همس الضمائر و نبضها."
قالت الألف، شامخة كعادتها:
"أما آن الأوان أن نكتب للأمة ما يوقظها من الغفلة و يحررها من الوهن؟
لن نكون بعد اليوم زينة العناوين، بل لب الصحوة وجوهر التغيير."
ردت الباء بهدوء عميق:
"نحن نملك القدرة، لكن الكلمة إن لم تكن صادقة وتلامس القلب، تاهت بين السطور."
فقالت التاء بحماس:
"لنعلن نهضة فكر، و نشعل الأقلام لن زرع الفتن، بل نكتب للوعي و ليس للوجع."
تقدمت النون، وعلى جبينها نقطة من حبر معتق:
"الأمة لا تحتاج شعارات، بل قلوبا تدرك أن الحرف مسؤولية، وأن المعنى أمانة."
ساد صمت، ثم تكلمت المعاني نفسها، بصوت مهيب يشبه صدى التاريخ:
"يا حروف المباني، أنتم جسدي، فلا تخونوني.
اكتبوا للحقيقة لا للكذب، للإصلاح لا للتزييف، للخير لا للغرور."
فانبثقت من ذلك الاجتماع كلمات نقية تسير نحو القلوب،
تنقش في الوعي عهدا جديدا من اليقظة، وتحمل في طياتها نداء لأمة طال سباتها.
عودي، أيتها الأمة،
فإن الحروف قد نادت، والمعاني قد بكت، والوقت لا ينتظر الغافلين.
نهضت حروف المعاني من سباتها كطيور حنين خرجت من أعشاش الصمت،
تأهبت لترتب الفوضى وتلبس الحرف تاج الوعي وعباءة الأمل.
قالت الألف، أول الخطوات:
"ما عاد الصمت جمالا، ولا السكوت حكمة. الأمة تنزف، والحق أخرس."
و أضافت اللام بنبرة تتهدج وقارا:
"لن نكون زخرفًا في كتب البلاغة، بل رسائل نور تضيء دروب الضالين وتربت على كتف الموجوعين."
تكلمت بعدها الياء، وقد فاضت بالحزن:
"كثيرون مروا من بيننا، نطقوا بنا، لكن ما فهمونا. فلتكن كلماتنا هذه المرة صادقة كدمعة أم شهيد، حادة كسيف حق، رحيمة كدعاء العجائز في السحر."
ثم ساد صمت يشبه خشوع العارفين، وقالت الحروف بصوت واحد، كدعاء فجر:
"يا أمة القرآن، أما آن لك أن تنهضي؟
الحروف تبعثك من ركام الغفلة، تداويك بنبض الصدق، و تكسوك بحبر العزة،
فلا تخذلي أقلامنا، ولا تضيعي المعنى من جديد."
نهضت الحروف من صمتها الطويل، ووقفت بين سطور الأمة تنادي:
"إن لم نكتب للحق، فمن يكتبه؟
إن اللغة وجدت لتبني لا لتهدم، لتوقظ لا لتنوم."
تقدمت حروف الجزم بنبرة حادة، كأنها قضاء لا مرد له:
"لم يكن جهل الأمة قدرا.
ولن نسمح بالهزيمة ما دام فينا نفس. ولن نسمح للخذلان أن يتسلل إلى سطورنا. و لا مكان للضعف في قاموسنا بعد اليوم."
تكلمت حروف الجر بانسياب التأمل والحكمة:
"نحن من يأخذ القلوب إلى الحق، ويمر بها على دروب الحكمة، و يغرس في العقول قيما لا تهزها العواصف.
نسير إلى النور رغم العتمة،
نمر على الأشواك بثبات،
نحيا بالحق لا بالشعارات."
أما حروف العطف، فمدت يدها نحو التلاقي:
"نحن الوصل بين الفكرة والفعل،
والتكامل بين القلم والضمير.
نحن والصدق رفاق، نرسم، نحدد الأهداف، نطبق، ونترك الأثر بالجهد لا بالتطبيل.
نعمل بضمير، أو نترك الحبر لمن يستحق الكتابة."
جاءت حروف الاستثناء كأنها بارقة نور:
"كل شيء ضاع، إلا من تمسك بالهدى والأمل.
وكل الطرق أغلقت، ما عدا طريق العودة للحق."
فصاحت حروف النداء من أعماق الوجدان:
"يا أمة خصت بالقرآن،
يا من نادت بالخير، أين النور الذي كنت تنشرينه؟
يا أمة الإسلام،
يا من حملت النور دهورا،
هل نسيت من أنت؟"
ثم تقدمت حروف الشرط، تنقش على جدار الزمن وعدا جديدا:
"إن رجعت إلى نهج الحق، عادت لك العزة.
ومن قرأ تاريخه بعين واعية، لن يخدع مجددًا.
إن عدت للقرآن، عاد لك المجد.
ومن سلك درب المعرفة، نجا.
ومهما طال الليل، فالصبح آت."
جاءت حروف الردع، بصوت مزلزل، لا يقبل المجاملة:
"كلا، لا كرامة مع التفرقة.
بلى، قد ضللتم حين سكتم.
أما آن للأقلام أن تثور على الخوف؟
هيهات أن نرضى بالذل وقد نقشنا على صدورنا حروف الكرامة."
ثم ختمت حروف التوكيد الموقف، كأنها توقع بيانا لا رجعة فيه:
"إنها ليست أحلاما.
لعمري، إن الكلمة سلاح.
واللغة، إن صدقت، غيرت العالم.
إن الصحوة قادمة.
لقد آن الأوان للكلمة أن تعود لسلطانها.
وإن الحرف، حين يقال بصدق، يغير وجه التاريخ."
تابعت الحروف اجتماعها، وقد بدأ نور الفجر يتسلل إلى ساحة المعاني.
لم يكن اجتماعها ترفا لغويا، بل مجلسا طارئا للضمائر، ونداء حياة لأمة تنام على أمجادها.
وحين انتهى المجلس، وقفت الحروف كلها صفا واحدا،
لا فرق بين جزم وجر، ولا شرط ولا توكيد، كلها كانت قلبا واحدا ولسانا ناطقا بالحقيقة.
قالت بلسان واحد:
"يا أمة البيان، لقد نطقنا بما نملك: سلطان الضوء على العلل، وأشرنا إلى مواطن الدواء.
لسنا سوى أدوات، لكن في يد الصادقين، نصبح معاول بناء.
وفي يد الغافلين، نصير رمادا يذروه الريح."
ثم أضافت، كأنها تختم عهدا بين اللغة والتاريخ:
"اكتبي نفسك من جديد بماء الأمل.
ضمي أبناءك حول دفاتر العلم، لا سيوف التفرقة.
أعيدي للحرف مقامه، و للمعنى رسالته.
فمتى ما عادت الكلمة حية فيك،
عاد النور إلى مآقيك،
وعاد المجد إلى جدرانك."
ثم انسحبت الحروف بهدوء،
لكن صوتها ظل معلقا في الهواء،
كأنه أذان فجر جديد، ينتظر من ينهض للصلاة.
كانت الحروف – بكل أنواعها – كتيبة نور، أدت واجبها في معركة الوعي،
فرسمت لوحة بالحرف وليس بالفرشاة. و لم تعتمد على الألوان، بل على الصدق.
فهل سمعتم لغة الحروف حين تآلفت؟
إنها ليست نصا خطابيا، بل نهضة مكتوبة، صرخة أمة، وحبر أمل، وبداية رجوع.
حين تتحد الحروف، تنهض الأمم. فهل ننهض؟
✍️ الزهرة العناق ⚡
07/08/2025