من كتاب إنسان ... الشحرة
زمان وانا صغير زرعت بذرة فى الأرض، وابتديت كل يوم ارويها، وكنت اقعد جنبها مستنى لحظة خروجها من تحت الارض علشان ارعاها واحافظ عليها، فى يوم ظهرت ضعيفة اول مرة تشوف النور واشعة الشمس تلمس الورقة الوحيدة فيها تمدها بالامل والطاقة، يوم بعد يوم تكبر ويشتد عودها وترتفع وهى بتحضن نور الشمس بين فروعها، كبرت وهى كبرت معايا بس بقت شجرة جذورها تحت الأرض متشعبة قوية تحافظ عليها من كل الأعاصير، فروعها ملتصقة بالجذع من غير تهاون كتلة واحدة مترابطة، تزداد الاغصان والفروع كل فترة فصارت شجرة ضخمة تستقبل أشعة الشمس بأوراقها الخضراء وتظلل لمن يجلس تحتها وسط النهار، تتساقط أوراقها فى الخريف لكن يأتى الربيع تجدها لبست الثوب الاخضر الجديد وهى تتراقص وتتمايل من الفرحة، فروعها وأغصانها وجذورها قوية كما هى وهذا هو المهم لتكافح وتستمر العمر كله.
لكن بعد فترة الأمور ابتدت تتغير، الجذور اتلوثت من الأرض تنقل السموم للفروع والأغصان من غير ما نحس سواء كانت مقصودة او هى طبيعة الارض اتغيرت وكلها بقت مسمومة، الفروع فضلت تقاوم مرة وراء التانية يوم او شهر او حتى سنة، فجأة وبلا مقدمات بدأت النهاية بصورة مخيفة كل يوم يتساقط فرع من الفروع ينفصل بسهولة عن الجذع كأنهم اعداء فى صراع من زمن والانكسار مقدر ومحسوم، تتلاشى الشجرة نحاول ان نوقف النزيف ولكن هل يفيد العلاج مرض انتشر فى الجسم كله، كل الوسائل والطرق نهايتها الفشل ولم يتبقى منها الا الجذع وحيد فوق الارض حزين، تمتص الألم كل جزء فيه وينتظر النهاية فى اى لحظة، الجذور ماتت عند رحيل الأوراق والغصون مع كل فرع من الفروع.
هذه الشجرة موجودة للاسف فى الواقع وفى حياة كل فرد منا، قد يجدها فى البيت او الاسرة او الاهل والاقارب او قد تجدها فى الجيران او القرية والمدينة او البلد او المجتمع او الارض كلها.
هذه الشجرة كانت قوية لكن سموم الكره والحسد والحقد بدأت تنتشر لتحطم الفروع وتنفصل عن بعضها ويظل الصراع قائم حتى تنتهى كل الفروع وتموت الشجرة ومن المستحيل أن تعود.
هذه الشجرة دمرتها اطماع النفوس الضعيفة وجشع العقول المريضة و ضياع الحب والتواصل بين الأرحام.
هذه الشجرة تركها الاجداد لنحافظ عليها لكنها ضاعت دون أن نشعر فى زحمة الايام.
بقلمى شريف القناوي
2018_8_4